القصص الاربعة لسورة الكهف
جعل الله عز وجل في قصص القرآن الكريم عِبرة لأولي الألباب ورغم اختلاف قصص سورة الكهف في المضمون لكل قصة إلا أن هناك محورًا واحدًا يربط جميع القصص المذكورة بسورة الكهف .وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة ( فتنة الدين، فتنة المال، فتنة العلم ، وفتنة السُلطة).
ونستعرض في هذه التدوينة، كل قصة على حِدة بترتيبهم كما جاء في القرآن الكريم.
القصة الأولى : قصة أصحاب الكهف
وهم فتية آمنوابالله الأحد . وهم للإشارة شباب صغار عرفوا ربهم فأمنوا به (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) [الكهف:14].
هؤلاء الشباب آمنوا في مجتمع يسوده الكفر والشرك بالله الواحد الأحد وهو المجتمع الذي قُسم لهم أن يعيشوا فيه (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ).
إيمان هؤلاء الشباب وسط هذا المجتمع الملحد بوجود الله والمشرك به كان يشكّل خطرا وضغطا على هؤلاء الفتية .فقومهم يريد إخراجهم عن دينهم، يريد إجبارهم على أن يعودوا إلى ملة الكفر والشرك: (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف:20].
فكانت الفتنة هنا هي الاتجاه السيئ والقبيح والدموي الذي يريد هذا المجتمع المنحرف تسليطه على الشباب الذي آمن . وعلماء السوسيولوجيا يؤكدون بأن سلطة المجتمع تشكل ضغطًا على الفرد .وفي كل الأحوال، فإذا كان المجتمع منحرفًا فإن ضغطه سيكون في الاتجاه المنحرف . إذن ماالعمل؟ هل يخفون معتقداتهم؟ هؤلاء الشباب بإمكانهم تحمل أدى مجتمعهم؟
بعد تفكير عميق ، واستخارة ربهم ، اتخذوا قرار الهجرة عن مجتمعهم (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)، وعليه اتحذوا قرارالعزلة والفرار. فقرارالاعتزال والسلامة بالنفس والدين جاء نتيجة تفكير عميق بالذهاب إلى الكهف . وكان الجزاء أن أكرمهم ربهم بنومة طويلة دامت ثلاث مائة وتسعة أعوام
أما في آخر هذه القصة يأتي الفرج والإرشاد إلى وسيلة أخرى للسلامة والنجاة من ضغط هذا المجتمع الفاسد وهي ملازمة الصالحين من هذا المجتمع والابتعاد عن الأشرار منهم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].
القصة الثانية : قصة صاحب الجنتين
قصة صاحب الجنتين هي قصة تتناول فتنة من أعظم الفتن وهي فتنة الدنيا وعلى رأسها المال والبنون (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف:34].
هذ الرجل اغتر بماله واغتر بأولاده ورأى أن هذا عنوان السعادة والفلاح والنجاح، فأدى هذا به إلى التكبر والتعالي، بل إلى الكفر بالله سبحانه وتعالى، وإنكار البعث والجزاء والحساب، قال تعالى : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً..) فلم يلتفت إلى نصيحة صاحبه المجاور له (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)[الكهف:39]، على كل مسلم أن يأخذ العبرة وأن ينسب الفضل إلى الله لا إلى نفسه وان يعترف بأنه ضعيف وعاجز وأن كل الجبروت والقوة لله سبحانه وتعالى فلا تتكبر ولا تتعالى مهما كان رصيدك المالي ومهما كان حسبك ونسبك وانسب كل ماتملك لله تعالى تعش مرتاحا آمنا من مكره .
(وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ) أي: هذا ما شاء الله تعالى (لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) لكنه التمادي والإصرار على التكبر يكون مآله الهلاك وهو الأمر هذا البستان (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) [الكهف:42].
وفي ختام هذه القصة، يثم التذكير بأمر مهم وهي أن هذه الحياة ليست هي الأهم والأعظم بل هناك ما هو أفضل، وأفضل عند الله -سبحانه وتعالى ليس (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ولكن (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف:46].
ثم يذكرنا الله تعالى أيضا بأن الدنيا ليست هي الحياة الأخيرة، ليست هي كل شيء بل بعدها حياة وبعدها أيام وبعدها أحوال وأهوال (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:47].
القصة الثالثة :قصة موسى والخضر
موسى والخضر تتحدث هذه الآيات عن جانبٍ آخر من حياة موسى عليه السلام، إذ أنه عليه السلام كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في البخاري أنّه سُئل أيّ الناس أعلم؟ فقال موسى عليه السلام: أنا، فعاتبه الله تعالى، إذ إنّه لم يردّ العلم إليه وأمره أن يذهب إلى شخص أعلم منه وأعطاه العلامة وهي أن يحمل حوتاً مملوحاً معه هو وفتاه وحيث يفقدانه يكون ذاك الرجل، وعندما وجدا الخضر طلب منه موسى عليه السلام أن يعلمه إلّا أنّه قال له إنّه لن يصبر على ما سيراه منه؛ لأنّه لم يعلم السبب وراءه، وحينها أخبره موسى عليه السلام بأنّه سيكون صابراً إن شاء الله وسيطيعه، وكان شرط الخضر عندها ألا يسأله عن أيّ شيءٍ حتى يحدثه به هو من نفسه، فانطلقا مع بعضهما ومرا على ثلاثة أماكن ذكرها الله تعالى، إلّا أنّ موسى عليه السلام لم يطق وعاود سؤاله في كلّ مرةٍ، وحينها أخبره الخضر بالأسباب التي دفعته لفعل ما فعله وفارقه، وبهذا يعلمنا الله تعالى أنّ علمه لا ينفد وأنّ علمنا هو جزءٌ صغير جداً لا يذكر مقارنةً بعلمه سبحانه وتعالى .
القصة الرابعة : قصة ذو القرنين ويأجوج ومأجوج
قصة ذو القرنين ويأجوج ومأجوج تتحدث آخر قصة من قصص سورة الكهف عن “فتنة السلطة”
حيث تحكي قصة ذو القرنين الذي كان ملكاً صالحًا عادلاً يمتلك العلم وينتقل من مشارق الأرض إلى مغاربها يدعو إلى الله وينشر الخير ، وينتقل من قوم إلي قوم ويحل مشاكلهم ،بما مكنه الله عز وجل به في الارض حتى وصل لقوم خائفين من هجوم يأجوج ومأجوج .فاشتكوا له ما يلحقهم من ضرر من ورائهم من القتل وغيره، فقرر ذو القرنين أن يساعد هؤلاء القوم ،فقام ببناء سد عظيم يحجب يأجوج ومأجوج عن الناس وهذا السد هو الذي حدثنا عنه القرآن الكريم ورسول الله -صلي الله عليه وسلم –
وسوف يفتح يأجوج ومأجوج هذا السد عند اقتراب الساعة . وتأتي آية العصمة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الأعمال وتذكر الآخرة.
يقول الله تعالى في أواخر سورة الكهف: « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا»، ومعناها أن الله أمرنا ايالالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، وعبَادته سبحانه وتعالى كما أمر، وأن أدى هذه العبادة بقلب سليم سينال جنات عرضها السموات والأرض».