ميقاتُ النور وموعدُ رفعِ الأعمال في دعاء فجر الإثنين 

يهبطُ الصمتُ على الكون قُبيل الفجر، وكأن الوجود كله يحبس أنفاسه استعداداً لاستقبال النور. 

وفجر يوم الإثنين في وجدان المسلم مذاقٌ مختلف ونكهةٌ خاصة؛ فهو ليس مجرد بدايةٍ ليومٍ عادي، بل هو سجلٌ تاريخي وروحي يعيدنا إلى اللحظة التي تنفّس فيها صبحُ الوجود بميلاد الرحمة المهداة.

في فجر الإثنين، تمتزجُ بركةُ البكور التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، مع شرف الزمان الذي اختاره الله ليكون موعداً لميلاد نبيه وموعداً لرفع أعمال عباده. 

إن فجر يوم الاثنين محطةٌ أسبوعية لتصحيح المسار، وتجديد النية، واستقبال الأسبوع بقلبٍ حاضرٍ وروحٍ متطلعة للقبول.

فجر يوم الإثنين ميلاد الرحمة المهداة

لا يمر فجر الإثنين في الشريعة الإسلامية مرور الكرام، بل يُحرك فيها كوامن الشوق والمحبة. فعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين قال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ ''.

إن الاستيقاظ لصلاة الفجر في فجر يوم الاثنين هو احتفاءٌ عملي بهذه النعمة العظمى. الفجر ليس مجرد ركعتين، بل هو استشعارٌ للحظة التي أشرقت فيها شمس النبوة. فكما انبلج فجر الإثنين بمولده صلى الله عليه وسلم ليبدد ظلام الجاهلية، ينبلج فجر كل إثنين ليبدد ظلام الغفلة في قلب المؤمن، دافعاً إياه للإكثار من الصلاة والسلام على النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.

بوابة قبول الأعمال حين تُرفع الأعمال في سكون الفجر

يحمل يوم الإثنين خصوصية التقرير الأسبوعي للأعمال. ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الإثنينِ والخميسِ، فأُحِبُّ أن يُعْرَضَ عملي وأنا صائمٌ ".

ففي الوقت الذي يغرق فيه الكثيرون في سباتهم، يكون المؤمن في مصلاه، يرفع يديه بالدعاء في هذا الوقت المبارك. إن تزامن وقت الفجر والذي تشهده ملائكة الليل والنهارمع "يوم الإثنين الذي تعرض فيه الأعمال، يجعل من هذه اللحظة فرصة ذهبية .

مفاتيح الرزق في بواكير الأسبوع

من الناحية العملية والنفسية، يُعد فجر الإثنين الانطلاقة الفعلية لدوامة العمل والسعي في الأرض. وهنا تأتي الحكمة النبوية: ''اللهم بَارِكْ لأمتي في بُكُورِهَا ".

إن البدء بصلاة الفجر وجلسة الضحى في هذا اليوم هو بمثابة شحن روحي لمواجهة متاعب الأسبوع. من يُضيع فجر الإثنين، غالباً ما يبدأ أسبوعه بكسل وثقل، أما من اقتنص هذه الساعات الأولى، فقد حاز مفاتيح البركة. إنه الوقت الذي تُقسّم فيه الأرزاق المعنوية (السكينة، التوفيق، الحكمة) قبل الأرزاق المادية. 

ففجر يوم الإثنين هو إعلانٌ منا بأن نتوكل على الله في سعينا، مقدمين حق الله على حق أنفسنا .

أدعية مختارة لفجر يوم الإثنين

دعاء الاستفتاح بالبركة:

- اللهم يا فالق الإصباح، اجعل صباحي هذا صباحاً مباركاً، لا خزي فيه ولا ندم، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه، وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه وشر ما بعده .

دعاء التوكل وطلب الرزق :

- اللهم يا مقسّم الأرزاق في وقت الفجر، اقسم لي في هذا الصباح من الخير أوسعه، ومن الرزق أيسره، ومن العلم أنفعه. اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك .

دعاء عرض الأعمال :

- اللهم إن هذا يوم تُعرض فيه الأعمال، فاجعل عملي فيه صالحاً، وسعيي فيه مشكوراً، وذنبي فيه مغفوراً. اللهم لا ترفع لي صحيفة إلا وقد بيّضتها بتوبة نصوح، وتجاوزت عما فيها من الزلل.

الصلاة على النبي :

- اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد في الأولين، وصلِّ وسلم عليه في الآخرين، وصلِّ وسلم عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين. اللهم اجعل صلاتي عليه نوراً في قلبي، وبركة في عمري، وشفاعة لي يوم ألقاك.

دعاء النور:

 - اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً.

سؤال العافية في الدين والدنيا:

- اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي.

دعاء سيد الاستغفار:

- اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

إن فجر يوم الإثنين ليس مجرد تغيير في حركة عقارب الساعة، بل هو رسالة سماوية أسبوعية تدعونا للبداية من جديد. أنه فرصة من البارئ تعالى أن يمحو ذنوبنا، ونستقبل ما هو آتٍ بنفسٍ مطمئنة.

فلا نحرم أنفسنا من لذة الوقوف بين يدي الله في هذه الساعات المباركة، حيث يجتمع شرفُ الوقت، وشرفُ الذكرى، وشرفُ الدعاء. 

فلنجعل من فجر الاثنين ميلاداً جديداً لقلوبنا .