سورة السجدة
حديثتا اليوم يتمحور حول سورة السجدة وهي إحدى أعظم السور المكية التي نزلت على رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، عدا الآية 16 وما يتبعها إلى الآية 20، نزلت في المدينة المنورة، يبلغ عدد آياتها 30 آية، ويبلغ عدد حروفها ألف وخمسمائة وثمانية وعشرين حرفًا، وهي السورة الثانية والثلاثون بين سور المصحف الشريف تقع سورة السجدة في الجزء الحادي والعشرين من أجزاء المصحف الشريف، بالإضافة إلى أنها سورة مكية في غالبها باستثناء الآيات من الآية 16 إلى الآية 20 فهي آيات مدنية، وهي سورة من سور المثاني، نزلتْ هذه السورة المباركة بعد سورة "المؤمنون"، وترتيبها الثاني والثلاثون في ترتيب سور المصحف الشريف، يبلغ عدد آيات سورة السجدة ثلاثين آية، وقد بدأت بأحد الحروف المقطعة، قال تعالى في مطلع سورة السجدة: {الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}،وهذا المقال سيسلِّط الضوء على سبب نزول سورة السجدة.
سبب تسمية سورة السجدة بهذا الاسم
سُميت" سورة السجدة" لما ذكر تعالى فيها من أوصاف المؤمنين الذين إذا سمعوا آيات القران العظيم " خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون". وقال البقاعي : "واسمها السجدة منطبق على ذلك بما دعت إليه آيتها من الإخبات وترك الاستكبار"
ومن أشهر أسماء هذه السورة : نجد "سورة السجدة"، لكنّ الصحابة رضوان الله عليهم وأهل العلم كانوا يسمونها "بتنزيل السجدة" أو "الم تنزيل السجدة"، ويعود سبب تسميتها إلى احتوائها على آية تستوجب السجدة أثناء القراءة، وذلك في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩}[2]، وقد قال أهل العلم أنّ سبب تسميها يرجع إلى أن آية السجدة منها تدل على عظمة آيات القرآن الكريم التي تخرّ لها الأنفس والأفئدة سجّدًا عند سماعها، وكان من مميزات هذه السورة أنها من السور التي تبدأ بقوله -تعالى- {الم}[3] ووقوع سجدة تلاوةٍ فيها.[4]
فضل سورة السجدة
ورد في صحيح السنة النبوية الشريفة أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- كان يقرأ سورة السجدة في صلاة الفجر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “عَنِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ في الفَجْرِ، يَومَ الجُمُعَةِ: {الم تَنْزِيلُ}، {وَهلْ أَتَى}”، فمن السُّنَّة أن يقرأ المسلم سورة السجدة في صلاة الفجر اقتداءً برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي حديث آخر يبرز فضل سورة السجدة، جاء عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانَ لا يَنامُ حتَّى يقرأَ {الم تنزيلُ} وَ{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}”، هذا الحديث يدل على أن قراءة سورة السجدة وسورة الملك قبل النوم من السنة ، فهذا ما كان يفعله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، والله تعالى أعلم.
وجاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : إني رأيتُني في هذه الليلةِ فيما يرى النائمُ كأني أصلِّي تحت شجرةٍ ، وكأني قرأتُ سورةَ السجدةِ ، فسجدتُ ، فرأيتُ الشجرةَ ، كأنها سجدتْ بسجودي ، وكأني سمعتُها وهي تقولُ : اللهمَّ اكتبْ لي بها عندك ذخرًا ، وضع عني بها وزرًا ، واجعلها عندك لي ذخرًا ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدِك داودَ قال ابنُ عباسٍ : فرأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قرأ السجدةَ فسمعتُه يقولُ في سجودِه كما أخبرَ الرجلُ عن قولِ الشجرةِ.
من مقاصد إنزال سورة السجدة
من المهم الإشارة إلى أن أول مقاصد سورة السجدة التنويه بعظمة القرآن الكريم وبأنّه هذا الكتاب وحده جامع الهدى والسبيل للنور والحق، فقد استهلّ الله -جلّ وعلا- سورة السجدة بقوله: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}، في إشارةٍ منه على كلّ من كان يكذّب القرآن ويتّهم النبيّ الكريم بأنّه افتراه، ثمّ بيّن -تعالى- عظمة خلقه وأنّه وحده خالق كلّ شيءٍ ومصور كلّ شيء بقوله:{للَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} وهذا من مقاصد سورة السجدة بأنّه هو الإله الواحد وأنّ الأصنام وما يعبد المشركون لا تملك نفعًا ولا ضرًا ولن تكون شفيعًا لهم يوم الحساب. ومن مقاصد سورة السجدة التذكير بيوم القيامة والبعث وأنّ الله خالق الأرض ومدبرها وأنّه قد أنعم بنعمه التي لا تُحصى على المشركين الذين لم يُقدّروا هذه النعم ولم يتوبوا إلى الله بل كانوا في كفرهم يتفاخرون وكفرا بالنعم وبخالقها، وذلك في قوله -تعالى-: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}، ثمّ إنّ الله -تعالى- ذكر أنّ جزاء كلّ من آمن وعمل صالحًا هو جنات الخلد وذلك بقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ويتبين أنّ من مقاصد سورة السجدة أيضًا الثناء على المؤمنين وتفضيلهم على الفاسقين فهم لا يستوون. وكان التذكير بالأقوام التي أهلكها الله بسبب كفرهم وعصيانهم من مقاصد سورة السجدة أيضًأ، فقد قال -سبحانه وتعالى-: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ}، وقد ذكر الله -جلّ وعلا- عظمة خلقه في أنّه يسوق الماء من السماء ويخرج به الزرع الذي يأكلون منه هم وأنعامهم لكنّ كفرهم وعصيانهم جعلهم عميًا لا يبصرون. وقد كان آخر مقاصد سورة السجدة هو ما جاء في قوله -تبارك وتعالى-: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ}، فقد أمر الله نبيّه الكريم بالإعراض عن الكافرين وما يقولون في مقصدٍ منه بأنّ يقلل من شأنهم ويحقرهم مع التأكيد على سوء ختامهم وأنّ الله قد أعدّ لهم سوء العذاب.
لكل ما سبق ذكره، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة فجر كل جمعة، ليجدد نية الخشوع والخضوع لله في الدنيا قبل العرض عليه في الآخرة.
أخيراً وليس آخراً ، أدعو كل مسلم أحس بفتور في عبادته، وأراد أن يقوي همته ويجدد خشوعه لله تعالى، أن يقرأ سورة السجدة ويطلب من الله تعالى أن يعينه على تقوية إيمانه.