سورة الكوثر وأسباب نزولها
حديثنا في هذه المقالة عن سُوْرَةُ الكَوْثَر والتي تسمى أيضاََ بسورة النحر،واختلف أهل العلم في ترجيحها بين مكية وبين مدنية، ترتيبها 108 بين سور المصحف البالغة 114 سورة، وعدد آياتها ثلاث آياتٍ، وهي أقصر سور القرآن الكريم إذ تتكون من عشر كلماتٍ واثنين وأربعين حرفاً، وفي ترتيب القرآن الكريم تقع بعد سورة الماعون وقبل سورة الكافرون. وهي السورة الخامسة عشر من حيث النزول (عند من يرجح أنها مكية)، فقد نزلت بعد سورة العاديات وقبل سورة التكاثر. تتحدث السورة عن فضل الله تعالى على نبيه ورسوله محمد بن عبد الله، فقد أعطاه نهر الكوثر، وهو أحد أنهار الجنة، فعن عبد الله بن عمر: قال رسول الله : «الكَوْثَرُ نهرٌ في الجنةِ حافَتَاهُ من ذهبٍ ومَجْرَاهُ على الدُّرِّ والياقوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ من المِسْكِ وماؤُهُ أَحْلَى من العَسَلِ وأَبْيَضُ من الثَّلْجِ»، وأمر الله نبيه في السورة بإدامة الصلاة، ونحر الهدي شُكرًا لله، وبشره في نهايتها بخزي أعدائه، وأن مبغضيه سينقطع ذكرهم .
سبب نزول سورة الكوثر
يجمع أغلب المفسرين أن سبب نزول سورة الكوثر كان بسبب أحد صناديل قريش وهو العاص بن وائل ...الذي عاب الرسول صلى الله عليه وسلم و وصفه بأنه أبتر- أي لا ولد له - وأنه إذا مات سينقطع ذكره ونسله خصوصاََ بعد وفاة (عبد الله ) ابن الرسول ... و لم يكن وقتها للرسول أي ولد ... فتألم الرسول الاكرم لهذا الكلام... فأنزل الله هذه السورة رداََ علي هذا المشرك و لبعث السرور في قلب رسوله الله صلى الله عليه و سلم ولرفع الضيم عن صدره .
ولابد من التذكير في هذه المقالة أن نزول القرآن الكريم كان دائماََ متزامناً مع مجموعة من الأحداث والوقائع التي حدثت ووقعت خلال نزوله، فكل سورة وكل آية، لها قضية معينة كانت سبباً في نزولها، فأسباب النزول قد تكون للرد على المشركين أو لمعالجة بعض الأمور والقضايا المختلفة، مثل حادثة الإفك التي حدثت مع عائشة رضي الله عنها، حيث برّأها الله عزوجلّ في سورة النور، و كذلك الأمر بالنسبة لقصة المرأة التي جاءت تشتكي زوجها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما هو سبب نزول سورة الكوثر؟
سبب تسمية سورة الكوثر
وقد ورد في الأحاديث جملة من صفات نهر الكوثر ، تجعل المؤمن في شوق إلى ورود ذلك النهر ، والارتواء منه ، والاضطلاع من معينه ، فنهر الكوثر يجري من غير شق بقدرة الله تعالى ، وحافاتاه قباب الدر المجوف ، وترابه المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ ، فما ظنك بجمال ذلك النهر وجلاله ، وما ظنك بالنعيم الذي حبى الله به نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من أمته .
ولا تقل صفات ماء نهر الكوثر جمالا وجلالاََ عن النهر نفسه ، فقد ثبت في أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم أن ماء نهر الكوثر أشد بياضا من اللبن ، وأحلى مذاقا من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استمع إلى تلك الأوصاف ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنها لناعمة يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( آكلوها أنعم منها ) ، في إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن تلك الصفات العظمية ، وتلك النعم الجليلة ، ما هي إلا جزء يسير مما يمن الله به على أهل دار كرامته ، ومستقر رحمته .
وجاء الوصف النبوي لماء نهر الكوثر أيضا ، بأن من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ، ولم يسود وجهه أبدا ، فكيف لك أن تتخيل جنة الخلد ، إذا كان نهرها وماؤها كذلك !!
أما الحوض الذي يكون في أرض المحشر ، فطوله مسيرة شهر ، وعرضه كذلك ، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( حوضي مسيرة شهر ، وزواياه سواء ) ، أي أن أطرافه متساوية ، وجاء في وصف الحوض أيضا أن آنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها .
أما ماء الحوض فهو مستمد من نهر الكوثر كما سبق ، فصفات الماء واحدة ، كرامة من الله تعالى لنبيه والمؤمنين من أمته ، حيث يتمتعون بشيء من نعيم الجنة قبل دخولها ، وهم في أرض المحشر ، وعرصات القيامة ، في مقام عصيب ، وحر شديد ، وكرب عظيم.
ووردت مجموعة من الأحاديث في ذكر هذا الحوض، فقد كان الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ذات يوم يجلس مع أصحابه، فغفا إغفاءةً ثم تبسم، وقال لهم “أَتَدْرون ما الكوثرُ؟ فقالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: فإنه نهرٌ وعَدنِيه ربي عزَّ وجَلَّ، عليه خيرٌ كثيرٌ، وحوضٌ تَرِدُ عليه أمتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدد النجومِ، فيَخْتَلِجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ، إنه مِن أمتي، فيقول: ما تدري ما أَحْدَثَتْ بعدَك”.
معاني كلمات سورة الكوثر
﴿ أَعْطَيْنَاكَ ﴾: خوَّلناك، مع التمكين العظيم يا أشرف الخلق .
﴿ الْكَوْثَرَ ﴾: نهر في الجنة.
﴿ فَصَلِّ ﴾: فيها أقوال:
أحدها: الصلاة المكتوبة، وهي صلاة الصبح بمزدلفة؛ قاله مجاهد.
الثاني: صلاة العيد؛ قاله عطاء.
الثالث: معناه اشكر ربك؛ قاله عكرمة.
الرابع: وانحر هديك أو أضحيتك؛ قاله ابن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة.
﴿ شَانِئَكَ ﴾: مُبغِضك، وهذا هو العاص بن وائل.
﴿ الْأَبْتَرُ ﴾: فيها أقوال:
أحدها: أنه الحقير الذليل؛ قاله قتادة.
الثاني:معناه الفرد الوحيد؛ قاله عكرمة.
الثالث: أنه الذي لا خير فيه حتى صار مثل الأبتر.
ونختم مقالتنا هذه بهذا الدعاء : سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرُكَ وأتوبُ إليك، وصلِّ اللهم وبارك على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله، وسلِّم تسليمًا كثيرًاََ.