خلال آخر ندوة صحفية له ، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من احتمالات انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي المعروف اختصاراً بـالناتو، معتبرا أن اقتراب الحلف من حدود بلاده أمر بالغ الخطورة لأمن روسيا وشعبها.
كما أشار القيصر الروسي إلى أن تعزيز الناتو لبنيته التحتية العسكرية على حدود بلاده، لم يهتم بمصالح بلاده عند توسيع الحلف شرقا .فلا تزال التوترات تتصاعد على طول الحدود الروسية مع أوكرانيا، حيث تعزز موسكو وجودها العسكري الدي وصل إلى أرقام مقللة .
وتخشى موسكو من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، الذي تم تأسيسه في القرن الماضي لمواجهة الإمبراطورية السوفيتية، ووصول صواريخ الناتو إلى الحدود الروسية.
في المقابل ، نفى الرئيس الروسي بوتين أن تكون لدى بلاده أية نية لغزو الدولة المجاورة، إلا أنه طلب من الغرب أن يحافظ على أمن روسيا من خلال سلسلة من المطالب، بما في ذلك إنهاء توسع الناتو بشرق أوروبا، وخاصة في دول الاتحاد السوفيتي السابق، وتقليص النشاط العسكري للولايات المتحدة والناتو "على أبواب موسكو".
ويقول الناتو إنه أرسل سفنا وطائرات مقاتلة إضافية لنشرها في أوروبا الشرقية، بينما سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا عائلات الدبلوماسيين من أوكرانيا.
وحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإنه “بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توسع الناتو باتجاه الشرق، واستولى في النهاية على معظم الدول الأوروبية التي كانت في فلك الاتحاد السوفيتي، وهي جمهوريات البلطيق مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، التي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي، وانضمت إلى الناتو، كما فعلت بولندا ورومانيا وغيرها كثير من دول المعسكر الشرقي ”.
ويسير الرئيس الروسي في وصف توسع الناتو بأنه تهديد لبلاده، ويعتبر انضمام أوكرانيا إلى الناتو، بمثابة “تهديد وجودي لروسيا”.
ويعود الصراع الغرب وروسيا إلى سنة 2013، عندما أعلن الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، إيقاف تنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي أدى إلى خروج مظاهرات واحتجاجات واسعة ضد الحكومة الأوكرانية التي كانت مؤيدة لروسيا حينها.
وأدت الاحتجاجات الكبيرة حينها إلى عزل الرئيس الأوكراني في يناير 2014، وتعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه، الأمر الذي دفع موسكو إلى اجتياح شبه جزيرة القرم الواقعة على البحر الأسود وضمها، بعد سيطرة مجموعة من الانفصاليين، بدعم روسي، على النقاط والمفاصل الاستراتيجية في شبه جزيرة القرم.
ومنذ ذلك الحين اندلعت بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والجيش الأوكراني، مواجهات راح ضحيتها أكثر من 13 ألف شخص، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وبعد سنة من التوقيع ، تم التوقيع على اتفاق مينسك 1، برعاية روسية، ونص على وقف إطلاق النار وإقامة منطقة عازلة مساحتها 30 كيلومتراً وسحب الأسلحة الثقيلة، ومنع استخدام الطائرات من دون طيار.
ولم يدم الاتفاق الأول أكثر من عام بعد انتهاكه، ليتم التوصل إلى اتفاق جديد أطلق عليه “مينسك 2”، بوساطة ألمانية – فرنسية، حيث نصَّ على وقف إطلاق النار وتأسيس منطقة عازلة بعمق خمسين كيلومتراً إلى 140 كيلومتراً، تبعاً لنوع الأسلحة الثقيلة، وعدم استعادة أوكرانيا السيطرة على حدودها مع روسيا إلا بعد أن منح الانفصاليين حكماً ذاتياً واسعاً وإجراء انتخابات محلية.
ويقول خبير العلاقات الدبلوماسية، جيمس غولدغير، لصحيفة "إندبندنت" إنه "لطالما كانت قضية استبعاد أوكرانيا من الناتو هاجسا طويل الأمد لبوتين، الذي يتذكر بمرارة تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي، خلال فترة حكم سلفه بوريس يلتسين في التسعينيات، باعتبارها عقدا من الإذلال".
وخلال العام الماضي زاد التوتر بين روسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، إذ بدأ من خلال زيادة التحرك والنشاط العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، ما أدى إلى مقتل عدة جنود أوكرانيين.
تلاها بعد ذلك ، مناورات بحرية أمريكية، في نوفمبرمن العام الماضي، في البحر الأسود، إضافة إلى تسليم واشنطن دفعة من زوارق الدورية الأميركية إلى البحرية الأوكرانية.
تزامن ذلك أيضاً مع نشاط عسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا الشرقية، الأمر الذي كانت ترفضه موسكو باستمرار، وتعتبره مهدداً خطيراً لأمنها الجيوسياسي.
لكن الرئيس بوتين "انزعج" لاحقا مما اعتبره "امتدادا تدريجيا" لحلف الناتو شرقا، حيث انضمت التشيك والمجر وبولندا في عام 1999، وتلتها بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في 2004.
وفسر بوتين انضمام هذه الدول إلى الناتو على أنه "نقض لوعد" الولايات المتحدة، الذي قدمه وزير خارجيتها آنذاك، جيمس بيكر، لميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي، خلال زيارته للعاصمة الروسية موسكو شهر فبراير من عام 1990، لمناقشة إعادة توحيد ألمانيا بعد سقوط جدار برلين.
وتشير مذكرات بيكر ، أن الرئيس الأمريكي تعهد لآخر رؤساء الاتحاد السوفيتي غورباتشوف، بأنه "لن يكون هناك تمدد لقوات الناتو بوصة واحدة إلى الشرق"، على الرغم من أن هذا الاقتباس هو "محل خلاف كبير"
وفي كلمته التي ألقاها بوتين في قمة بوخارست: "لا يمكن لأي زعيم روسي أن يقف مكتوف الأيدي في مواجهة الخطوات نحو عضوية أوكرانيا في الناتو. سيكون ذلك عملا عدائيا تجاه روسيا"، مما يعني أنه يشكل خطرا على أمن روسيا.
وفي انتظار أي انفراج محتمل ، فإن طبول الحرب تبدو أنها قد دقت ولا توجد أي بوادر توحي بتراجع الطرفين عن سعيهما .