دعاء يوم الخَمِيسُ، باب المُؤْمِنِ
لِتَنْقِيَةِ المَسِيرَةِ قَبْلَ وُلُوجِ الجُمُعَةِ
يعد الدعاء لب العبادة، وسر الصلة بين العبد وربه، ومادة حياة القلب ونور الروح. في غمار الأيام المتتابعة، وتسابق الليل والنهار، خص الله تعالى أياما بفضائل خاصة ومزايا جليلة، تجعلها محطات شحن روحي ومواسم لتضاعف الأجر. ومن هذه الأيام المباركة: يوم الخميس.
إن يوم الخميس له مكانة عظيمة في شريعتنا المطهرة، وفيه تعرض الأعمال على الرحمن جل جلاله، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تعرض الأعمال يومي الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" (رواه الترمذي).
هذا العرض الإلهي للأعمال يجعل القلب المؤمن متيقظا، واللسان ذاكرا، واليدين مرفعوتين بمداد الرجاء والتضرع. فيوم الخميس هو جسر يقود إلى بركات ليلة الجمعة المشرقة، ولذا يكون الدعاء فيه معطرا بنسمات القبول والقرب من الخالق.
هذه المقالة تتوغل في أسرار يوم الخميس، مبينة كيف يمكن للمسلم أن يجعل من يوم الخميس منهلا عذبا لتبصرة النفوس ورياضة القلوب بالدعاء.
تعرض الأعمال العباد يوم الخميس
إن عرض الأعمال على الله تعالى يومي الاثنين والخميس ليس مجرد كلام، بل تحفيز عظيم للمراقبة والمحاسبة. حين يعلم العبد أن صحيفته سترفع في هذا اليوم، ينبغي له أن يقابل هذا المشهد الروحي بالدعاء الصادق". فيرفع يديه ضارعا ومنكمشا، سائلا ربه أن يتجاوز عن زلاته وهفواته، وأن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
يكون دعاء يوم الخميس مُتقبلا إذا ارتكز على التوبة الصادقة، والاستغفار الذي يذيب قسوة القلب، متذكرا دوما قوله تعالى: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" (سورة الأنفال: 33).
لا يعرض العمل صادقإ إلا إذا من قلب القلب خال من الشوائب والحقد والحسد، والاستغفار من سيئات الأقوال والأفعال. فيلح العبد بقول: "اللهم طهر صحيفة أعمالي كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس".
دعاء يوم الخميس جسر ليوم الجمعة بالتهيؤ الروحي لخير الأيام بدعاء التوسل والتوفيق.
لا يمكن النظر إلى يوم الخميس إلا باعتباره جسراً مقدسا نحو "ليلة الجمعة"، ثم إلى "صباح يوم الجمعة" الذي هو خير يوم طلعت فيه الشمس. هذه الرابطة تمنح دعاء الخميس بعدا إضافيا، حيث يتحول الدعاء إلى نوع من التهيؤ والاستعداد.
على المسلم أن يدعو الله في يوم الخميس بأن يوفقه لأفضل الأعمال في ليلة الجمعة ويومها: من تبكير إلى صلاة الجمعة، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحري ساعة الاستجابة.
إنه دعاء يوم الخميس استمداد العون لأداء حقوق أعظم الأيام. يناجي العبد ربه قائلا: "اللهم بارك لي فيما بقي من يوم الخميس، وأعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك في يوم الجمعة ". هذا التوجه يرتب الأولويات ويجعل العبادة نسقا متصلا.
دعاء يوم الخميس دعاء لطلب البركة
يوم الخميس يمثل ختام أيام العمل والسعي لكثير من الناس. وهذا يتفق مع مبدأ الإسلام في تقديس العمل والكسب الطيب. لذا، ينبغي أن يكون لدعاء يوم الخميس طلبا للرزق والبركة في المال والولد.
إن الدعاء بالرزق لا ينحصر في طلب المال، بل يتسع ليشمل: بركة العلم، وصلاح الزوجة، وتقوى الولد، والقدرة على طاعة الله. فيكون الدعاء شاملا: "اللهم إني أسألك من خير هذا اليوم، فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه ".
اللهم بارك لي في كسبي، واجعله حلالا طيبا، ووفقني لإنفاقه فيما يرضيك".
إذا بارك الله في القليل كفى، وإذا نزع البركة من الكثير أشقى. فالبركة هي المطلب الأسمى الذي يلخص الخير كله.
دعاء يوم الخميس دعاء التثبيت وحسن المصير
من السنة التي ينبغي تذكرها في يوم الخميس هو دعاء كفارة الأيام السالفة: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك". هذا الدعاء له دلالة عميقة في يوم عرض الأعمال، فهو بمثابة ختم لما قد يكون قد حدث من لغو أو تقصير.
ويمكن تطوير هذا المعنى ليشمل دعاء الخواتيم كلها. فيجعل العبد من دعائه في آخر نهار الخميس طلبا لحسن الخاتمة في شؤونه كلها: في عمله، وفي عبادته، وفي حياته.
يتضرع العبد إلى الله أن يجعل خير أعماله خواتيمها، وخير أيامه يوم لقائه. هذا الدعاء يعطي الإحساس بأن الدنيا دار عمل وسعي ينتهي بما قدمه العبد من خير.
في ختام هذا المقال، فدعاء يوم الخميس ليس مجرد كلمات تقال، بل هو حالة قلبية تنبع من أن الأعمال ستعرض على خالقها ومدبرها. لقد تبين لنا أن دعاء يوم الخميس دعاء بركة وفيه تُعرض الأعمال ولتطهير الصحيفة، وللتهيؤ لخير الأيام، ولتكميل السعي الدنيوي.
إن دوام الدعاء، وخاصة في هذه الأوقات المفضلة، هو الدليل على عمق الإيمان ورسوخ التوكل.
فلنستقبل كل خميس بقلب خاشع، ولسان ذاكر، وأيد ممدودة، سائلين الله أن يجعل أعمالنا المعروضة مقبولة، وذنوبنا مغفورة، ودعاءنا مستجابا، إنه سميع مجيب الدعاء. وما توفيقنا إلا بالله، عليه توكلنا وإليه ننيب.