كنوز من الرحمات في دعاء يوم الأربعاء
الأيام والليالي خزائن للأعمال والأسرار، ومواسم يتجلّى فيها كرم الله وفضله على عباده. ويوم الأربعاء هو أحد هذه الأيام التي تحمل في طياتها فرصًا للدعاء، والتقرّب إلى الله تعالى، وإن لم يثبت في السنة النبوية المطهرة دليل قاطع على تخصيصه بفضل عظيم للدعاء خلافاً لغيره من الأيام، إلا أن بعض العلماء قد استأنسوا بفعل الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي تحرّى الدعاء بين الظهر والعصر يوم الأربعاء حيث استُجيب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت، فصار هذا الوقت عند بعض السلف مظنة للإجابة.
إنّ الدعاء في أي وقت هو عبادة عظيمة، ولكن اغتنام الأوقات التي نُقل عن الصالحين تحريها يزيد من شوق القلب ورجائه في فضل الله وكرمه.
الدعاء بين الظهر والعصر: اغتنام لأثر السلف
كما ذُكر سلفاً، استأنس بعض العلماء والتابعين بفعل جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي كان يتحرى الدعاء بين صلاتي الظهر والعصر يوم الأربعاء، بناءً على واقعة حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم حيث دعا في هذا الوقت فاستُجيب له.
وهذا التحري من صحابي جليل هو حافز لنا لنتأسى به، فنتوجه إلى الله بقلب خالص ولسان ذاكر في هذه الساعة، ونفرغ لله ما في قلوبنا من حاجات وآمال. إنَّها دعوة لاغتنام ساعة ربما تكون من ساعات الإجابة، وهي فرصة لتجديد الصلة بخالقنا.
أدب الدعاء: أساس القبول والبركة
الدعاء ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو عبادة لها آدابها التي تزيد من فرص القبول. يجب على المسلم أن يستقبل القبلة، ويرفع يديه تضرعاً، وأن يبدأ بالثناء على الله وحمده، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل حاجته بيقين وإلحاح، دون استعجال للإجابة. كما يجب تحرّي طيب المطعم والملبس.
وعليه قإنّ الالتزام بآداب الدعاء هو تعبير عن تعظيمنا لله وتوكلنا المطلق عليه، وهو مفتاح لفتح أبواب الفضل والبركة.
دعوات جامعة ليوم الأربعاء: أمنيات العبد
يمكن للمسلم أن يدعو بأي خير في هذا اليوم المبارك، ولكن من جميل الدعوات الواردة عن بعض السلف والتي تتناسب مع عظمة المطلب وقيمة اليوم هي تلك التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، كطلب القوة في الطاعة، والنشاط في العبادة، والرغبة في الثواب، والزهد فيما يوجب العقاب. هذه الدعوات تلخص غاية المؤمن في الحياة: العبادة الخالصة، ونيل الأجر العظيم، والابتعاد عن مواطن السوء، مما يجعلها منهجاً لحياة مستقيمة.
اليقين بالإجابة: سر قوة الداعي
أعظم ما يعين الداعي على أن يتحقق مراده هو اليقين التام بأن الله تعالى سيستجيب له. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه".
فالدعاء بيقين هو اعتراف بقدرة الله المطلقة على تحقيق المستحيل، وهو دليل على حسن الظن به سبحانه. فليجعل المسلم من يوم الأربعاء، وسائر أيامه، مواسم لغرس بذور اليقين في قلبه، راجياً كرم ربه الذي لا ينفد.
بعض الأدعية المأثورة ليوم الأربعاء
دعاء لطلب القوة في الطاعة والنشاط في العبادة:
- اللهم اقضِ لي في الأربعاء أربعًا: اجعل قوتي في طاعتك، ونشاطي في عبادتك، ورغبتي في ثوابك، وزهدي فيما يوجب لي أليم عقابك، إنك لطيف لما تشاء.
دعاء لطلب الخير والوقاية من الشر
- اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
دعاء لراحة البال وتفريج الهم
- اللهم يا وليّ المؤمنين، ويا غياث المستغيثين، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
دعاء لطلب الرزق الواسع والبركة فيه
- اللهم افتح لنا خزائن رحمتك، وارزقنا من فضلك الواسع رزقًا حلالاً طيبًا مباركًا فيه، ولا تحوجنا إلى أحد سواك، وزدنا لك شكرًا وإليك فقرًا.
دعاء للهداية والاستقامة والثبات
- اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم اهدنا وسددنا، واجعلنا من عبادك الصالحين المتقين، واحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
دعاء للاستغفار والتوبة والرحمة
- اللهم إني أستغفرك لكل ذنب أذنبته، ولكل خطيئة ارتكبتها، فاغفر لي وتب عليّ يا تواب يا رحيم، واجعل يومي هذا يوماً مباركاً مغفوراً فيه الذنوب.
دعاء لطلب حسن الخاتمة والفوز بالجنة
- اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا آخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك، ونسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
ختاماً، نؤكد أن يوم الأربعاء، كغيره من الأيام، هو ميدان واسع للعبادة والدعاء. فليكن دأبنا الإكثار من التضرع إلى الله في كل حين، والتحري للأوقات والأحوال التي ورد فيها فضل أو تحرّاها سلفنا الصالح.
فالدعاء مخ العبادة، وهو الركن الأساس في صلة العبد بربه. فلنجعل يومنا هذا مليئاً بالدعوات الصادقة، ولنكن على يقين بأن الله كريم ودود، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.